فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{ما أصاب مِنْ مُصِيبةٍ إِلّا بِإِذْنِ الله}
استئناف انتقل إليه بعد أن تُوُعِّد المشركون بما يحصل لهم من التغابن يوم يجمع الله الناس يوم الحساب.
ويشبه أن يكون استئنافا بيانيا لأن تهديد المشركين بيوم الحساب يثير في نفوس المؤمنين التساؤل عن الانتصاف من المشركين في الدنيا على ما يلقاه المسلمون من إضرارهم بمكة فإنهم لم يكفوا عن أذى المسلمين وإصابتهم في أبدانهم وأموالهم والفتنة بينهم وبين أزواجهم وأبنائهم.
فالمراد: المصائبُ التي أصابت المسلمين من معاملة المشركين فأنبأهم الله بما يسليهم عن ذلك بأن الله عالم بما ينالهم.
وقال القرطبي قيل سبب نزولها أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب.
واختصت المصيبة في استعمال اللغة بما يلحق الإِنسان من شر وضر وإن كان أصل فعلها يقال كما يصيب الإِنسان مطلقا ولكن غلب إطلاق فعل أصاب على لحاق السوء، وقد قيل في قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 79]، أن إسناد الإِصابة إلى الحسنة من قبيل المشاكلة.
وتأنيث المصيبة لتأويلها بالحادثة وتقدم عند قوله تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها} في سورة [آل عمران: 165].
والإِذن: أصله إجازة الفعل لمن يفعله وأطلق على إباحة الدخول إلى البيت وإزالة الحجاب لأنه مشتق من أذِن له إذا سمع كلامه.
وهو هنا مستعار لتكوين أسباب الحوادث.
وهي الأسباب التي تفضي في نظام العادة إلى وقوع واقعات، وهي من آثار صنع الله في نظام هذا العالم من ربط المسببات بأسبابها مع علمه بما تفضي إليه تلك الأسباب فلما كان هو الذي أوجد الأسباب وأسباب أسبابها، وكان قد جعل ذلك كله أصولا وفروعا بعلمه وحكمته، أطلق على ذلك التقدير والتكوين لفظُ الإِذن، والمشابهة ظاهرة، وهذا في معنى قوله: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22].
ومقتضى هذه الاستعارة تقريب حقيقة التقلبات الدنيوية إلى عقول المسلمين باختصار العبارة لضيق المقام عن الإِطناب في بيان العلل والأسباب، ولأن أكثر ذلك لا تبلغ إليه عقول عموم الأمة بسهولة.
والقصد من هذا تعليم المسلمين الصبر على ما يغلبهم من مصائب الحوادث لكيلا تُفلّ عزائمهم ولا يهنوا ولا يلهيهم الحزن عن مهمات أمورهم وتدبير شؤونهم كما قال في سورة [الحديد: 23] {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} ولذلك أعقبه هنا بقوله: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، أي يهد قلبه عندما تصيبه مصيبة، فحذف هذا المتعلق لظهوره من السياق قال: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمْسسْكُم قرح فقد مسّ القوم قرْح مثلُه وتلك الأيام نداولها بين الناس} [آل عمران: 139- 140].
والمعنى: أن المؤمن مرتاض بالأخلاق الإِسلامية متبع لوصايا الله تعالى فهو مجاف لفاسد الأخلاق من الجزع والهلع يتلقى ما يصيبه من مصيبة بالصبر والتفكر في أن الحياة لا تخلو من عوارض مؤلمة أو مكدرة.
قال تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155- 157]، أي أصحاب الهدى الكامل لأنه هدى متلقىّ من التعاليم الإلهية الحق المعصومة من الخطل كقوله هنا: {يهد قلبه}.
وهذا الخبر في قوله: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} إيماء إلى الأمر بالثبات والصبر عند حلول المصائب لأنه يلزم من هدْي الله قلب المؤمن عند المصيبة ترغيب المؤمنين في الثبات والتصبر عند حلول المصائب فلذلك ذيل بجملة {والله بكل شيء عليم} فهو تذييل للجملة التي قبلها وارد على مراعاة جميع ما تضمنته من أن المصائب بإذن الله، ومن أن الله يهدي قلوب المؤمنين للثبات عند حلول المصائب ومن الأمر بالثبات والصبر عند المصائب، أي يعلم جميع ذلك.
وفيه كناية عن مجازاة الصابرين بالثواب لأن فائدة علم الله التي تهم الناس هو التخلق ورجاء الثواب ورفع الدرجات.
{وأطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرّسُول فإِنْ تولّيْتُمْ فإِنّما على رسُولِنا الْبلاغُ الْمُبِينُ (12)}
عطف على جملة {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [التغابن: 11] لأنها تضمنت أن المؤمنين متهيئون لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما يدعوانهم إليه من صالح الأعمال كما يدل عليه تذييل الكلام بقوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: 122]، ولأن طلب الطاعة فرع عن تحقق الإِيمان كما في حديث معاذ «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: إنك ستأتي قوما أهل كتاب فأولُ ما تدعوهم إليه فادْعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة» الحديث.
وتفريع {فإن توليتم} تحذير من عصيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والتولي مستعار للعصيان وعدم قبول دعوة الرسول.
وحقيقة التولّي الانصراف عن المكان المستقر فيه واستعير التولي للعصيان تشنيعا له مبالغة في التحذير منه، ومثله قوله تعالى في خطاب المؤمنين {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم} [محمد: 38]، وقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} [الأنفال: 20].
والتعريف في قوله: {رسولنا} بالإِضافة لقصد تعظيم شأنه بأنه صلى الله عليه وسلم رسول ربّ العالمين.
وهذا الضمير التفات من الغيبة إلى التكلم يفيد تشريف الرسول بعزّ الإضافة إلى المتكلم.
ومعنى الحصْر قوله: {فإنما على رسولنا البلاغ المبين} قصر الرسول صلى الله عليه وسلم على كون واجبه البلاغ، قصر موصوف على صفةِ فالرسول صلى الله عليه وسلم مقصور على لزوم البلاغ له لا يعدُو ذلك إلى لزوم شيء آخر.
وهو قصر قلب تنزيلا لهم في حالة العصيان المفروض منزلة من يعتقد أن الله لو شاء لألجأهم إلى العمل بما أمرهم به إلهابا لنفوسهم بالحث على الطاعة.
ووصف البلاغ بـ {المبين}، أي الواضح عُذر للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ادعى ما أمر به على الوجه الأكمل قطعا للمعذر عن عدم امتثال ما أمر به.
وباعتبار مفهوم القصر جملة {فإنما على رسولنا البلاغ المبين} كانت جوابا للشرط دون حاجة إلى تقدير جواب تكون هذه الجملة دليلا عليه أو علة له.
{الله لا إِله إِلّا هُو وعلى الله فلْيتوكّلِ الْمُؤْمِنُون (13)}
جملة معترضة بين جملة {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [التغابن: 12] وجملة: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
واسم الجلالة مبتدأ وجملة: {الله لا إله إلا هو} خبر.
وهذا تذكير للمؤمنين بما يعلمونه.
أي من آمن بأن الله لا إله إلا هو كان حقا عليه أن يطيعه وأن لا يعبأ بما يصيبه في جانب طاعة الله من مصائب وأذى كما قال حُبيب بن عدي:
لستُ أبالي حين أُقتل مسلما ** على أيّ جنب كان لله مصرعي

ويجوز أن تكون جملة {الله لا إله إلا هو} في موقع العلة لجملة {وأطيعوا الله} [التغابن: 12] وتفيد أيضا تعليل جملة {وأطيعوا الرسول} [التغابن: 12] لأن طاعة الرسول ترجع إلى طاعة الله قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80].
وافتتاح الجملة باسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار إذ لم يقُل هو لا إِله إلاّ هو لاستحضار عظمة الله تعالى بما يحويه اسم الجلالة من معاني الكمال، ولتكون الجملة مستقلة بنفسها فتكون جارية مجرى الأمثال والكلم الجوامع.
{هُو وعلى الله فلْيتوكّلِ}.
عطف على {وأطيعوا الله} فهو في معنى: وتوكلوا على الله، فإن المؤمنين يتوكلون على الله لا على غيره وأنتم مؤمنون فتوكلوا عليه.
وتقدم المجرور لإِفادة الاختصاص، أي أن المؤمنين لا يتوكلون إلا على الله.
وجيء في ذلك بصيغة أمر المؤمنين بالتوكل على الله دون غيره ربطا على قلوبهم وتثبيتا لنفوسهم كيلا يأسفوا من إعراض المشركين وما يصيبهم منهم وأن ذلك لن يضرهم.
فإن المؤمنين لا يعتزُّون بهم ولا يتقوون بأمثالهم، لأن الله أمرهم أن لا يتوكلوا إلا عليه، وفيه إيذان بأنهم يخالفون أمر الله وذلك يغيظ الكافرين.
والإِتيان باسم الجلالة في قوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} إظهار في مقام الإِضمار لتكون الجملة مستقلة فتسير مسرى المثل، ولذلك كان إظهار لفظ {المؤمنون} ولم يقل: وعلى الله فليتوكلوا، ولما في {المؤمنون} من العموم الشامل للمخاطبين وغيرهم ليكون معنى التمثيل. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{يُسبِّحُ لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الْأرْضِ لهُ الْمُلْكُ ولهُ الْحمْدُ وهُو على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ (1)}
قوله تعالى: {وهو على كل شيء قدير} عموم معناه التنبيه، والشيء: الموجود، وقوله: {هو الذي خلقكم} تعديد نعمة، والمعنى {فمنكم كافر} لنعمته في الإيجاد حين لم يوجد كافر لجهله بالله تعالى، {ومنكم مؤمن} بالله، والإيمان به شكر لنعمته، فالإشارة في هذا التأويل في الإيمان والكفر هي إلى اكتساب العبد، هذا قول جماعة من المتأولين، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة»، وقوله تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30]، وكأن العبارة في قوله تعالى: {فمنكم} تعطي هذا، وكذلك يقويه قوله: {والله بما تعملون بصير}. وقيل: المعنى (خلقكم منكم مؤمن ومنكم كافر) في أصل الخلق فهي جملة في موضع الحال، فالإشارة على هذا في الإيمان والكفر هي إلى اختراع الله تعالى وخلقه، وهذا تأويل ابن مسعود وأبي ذر، ويجري مع هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم يكون في بطن أمه نطفة أربعين يوما، ثم علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ثم يجيء الملك فيقول يا رب: أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه»، فقوله في الحديث: «أشقي أم سعيد» هو في هذه الآية: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} ويجري مع هذا المعنى قوله في الغلام الذي قتله الخضر: إنه طبع يوم طبع كافرا، وما روى ابن مسعود أنه عليه السلام قال: «خلق الله فرعون في البطن كافرا وخلق يحيى بن زكرياء مؤمنا» وقال عطاء بن أبي رباح: فمعنى الآية: {فمنكم كافر} بالله {مؤمن} بالكوكب، ومؤمن بالله كافر بالكوكب، وقدم الكافر لأنه أعرف من جهة الكثرة، وقوله تعالى: {بالحق} أي حين خلقها محقوقا في نفسه ليست عبثا ولا لغير معنى.
وقرأ جمهور الناس: {صُوركم} بضم الصاد، وقرأ أبو رزين: {صِوركم} بكسرها، وهذا تعديد النعمة في حسن الخلقة، لأن أعضاء ابن آدم متصرفة لجميع ما تتصرف به أعضاء الحيوان، وبزيادات كثيرة فضل بها ثم هو مفضل بحسن الوجه، وجمال الجوارح، وحجة هذا قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [التين: 4]، وقال بعض العلماء: النعمة المعددة هنا إنما هي صورة الإنسان من حيث هو إنسان مدرك عاقل، فهذا هو الذي حسن له حتى لحق ذلك كمالات كثيرة.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أحرى في لغة العرب، لأنها لا تعرف الصور إلا الشكل، وذكر تعالى علمه بما في السماوات والأرض، فعم عظام المخلوقات، ثم تدرج القول إلى أخ في من ذلك وهو جميع ما يقوله الناس في سر وفي علن، ثم تدرج إلى ما هو أخفى، وهو ما يهجس بالخواطر، وذات الصدور: ما فيها من خطرات واعتقادات كما يقال: الذئب مغبوط بذي بطنه، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: إنما هو ذو بطن خارجة، و{الصدور} هنا عبارة عن القلب، إذ القلب في الصدر.
{ألمْ يأْتِكُمْ نبأُ الّذِين كفرُوا مِنْ قبْلُ فذاقُوا وبال أمْرِهِمْ ولهُمْ عذابٌ ألِيمٌ (5)}
{يأتكم} جزم وأصله {يأتيكم} قال سيبويه: واعلم أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم، والخطاب في هذه الآية لقريش، ذكروا بما حل بعاد وثمود وقوم إبراهيم وغيرهم ممن سمعت قريش أخبارهم، و(وبال الأمر): مكروهه، وما يسوء منه، وقوله تعالى: {ذلك بأنه} إشارة إلى ذوق الوبال، وكون عذاب الآخرة لهم، ثم ذكر تعالى من مقالة أولئك الماضين ما هو مشبه لقول كفار قريش من استبعاد بعث الله للبشر، ونبوة أحد من بني آدم، وحسد الشخص المبعوث، وقوله: {أبشر} رفع بالابتداء، وجمع الضمير في قوله: {يهدوننا} من حيث كان البشر اسم هذا النوع الآدمي، كأنهم قالوا أناس هداتنا؟ وقوله تعالى: {استغنى الله} عبارة عما ظهر من هلاكهم، وأنهم لن يضروا الله شيئا، فبان أنه كان غنيا أزلا وبسبب ظهور هلاكهم بعد أن لم يكن ظاهرا ساغ استعمال هذا البناء مسندا إلى اسم الله تعالى، لأن بناء استفعل إنما هو لطلب الشيء وتحصيله بالطلب، وقوله تعالى: {زعم الذين كفروا} يريد قريشا ثم هي بعد تعم كل كافر بالبعث، وقال عبد الله بن عمر: الزعم: كنية الكذب، وقال عليه السلام: بئس مطية الرجل زعموا، ولا توجد {زعم} مستعملة في فصيح من الكلام إلا عبارة عن الكذب، أو قول انفرد به قائله فيريد ناقله أن يبقي عهدته على الزاعم، ففي ذلك ما ينحو إلى تضعيف الزعم، وقول سيبويه: زعم الخليل إنما يجيء فيما انفرد الخليل به، ثم أمره تعالى أن يجيب نفيهم بما يقتضي الرد عليه إيجاب البعث وأن يؤكد ذلك بالقسم، ثم توعدهم تعالى في آخر الآية بأنهم يخبرون بأعمالهم على جهة التوقيف والتوبيخ، المؤدي إلى العقاب.
{فآمِنُوا بِالله ورسُولِهِ والنُّورِ الّذِي أنْزلْنا والله بِما تعْملُون خبِيرٌ (8)}
هذا دعاء إلى الله تعالى وتبليغ وتحذير من يوم القيامة، و{النور} القرآن ومعانيه، والعامل في قوله: {يوم يجمعكم} يحتمل أن تكون {لتنبؤن} [التغابن: 7]، ويحتمل أن تكون {خبير}، وهو تعالى خبير في كل يوم، ولكن يخص ذلك اليوم، لأنه يوم تضرهم فيه خبرة الله تعالى بأمورهم، وقرأ جمهور السبعة: {يجمعُكم} بضم العين، وقرأ أبو عمر بسكونها، وروي عنه أنه أشمها الضم وهذا على جواز تسكين الحركة وإن كانت لإعراب، كما قال جرير: ولا تعرفكم العرب، وقرأ سلام ويعقوب: {نجمعُكم} بالنون وضم العين، و: {يوم الجمع} هو يوم القيامة، وهو {يوم التغابن}، وذلك أن كل واحد ينبعث من قبره وهو يرجو حظا ومنزلة، فإذا وقع الجزاء غبن المؤمنون الكافرين لأنهم يحوزون الجنة ويحصل الكفار في النار، نحا هذا المنحى مجاهد وغيره، وليس هذا الفعل من التغابن من اثنين، بل كتواضع وتحامل، وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم: {نكفر عنه} بنون وكذلك: {ندخله}، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة والحسن بخلاف وطلحة، وقرأ الباقون والأعمش وعيسى والحسن في الموضعين بالياء على معنى يكفر الله، والأول هو نون العظمة وقوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة} يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا وخصها بالذكر بأنها الأهم على الناس والأبين أثرا في أنفسهم، ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر، وذلك أن الحكم واحد في أنها {بإذن الله}، والإذن في هذا الموضع عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع، وقوله تعالى: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} قال فيه المفسرون المعنى: ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وعلمه، هانت عليه مصيبته وسلم الأمر لله تعالى. وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف: {نهد} بالنون، وقرأ الضحاك: {يُهد قلبه} برفع الياء. وقرأ عكرمة وعمرو بن دينار: {يهدأ} برفع القلب، وروي عن عكرمة أنه سكن بدل الهمزة ألفا، على معنى أن صاحب المصيبة يسلم فتسكن نفسه، ويرشد الله المؤمن به إلى الصواب في الأمور. وقوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} عموم مطلق على ظاهره.
قوله تعالى: {وأطيعوا} عطف على {فآمنوا} [التغابن: 8]، وقوله تعالى: {فإن توليتم...} إلى آخر الآية. وعيد وتربية لمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بلغ، وفي قوله تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} تحريض للمؤمنين على مكافحة الكفار والصبر على دين الله. اهـ.